أتلتيكو مدريد – نظرة تحليلية موسعة لأداء الفريق في مواجهته الأوروبية الأخيرة
أتلتيكو مدريد – نظرة تحليلية موسعة لأداء الفريق في مواجهته الأوروبية الأخيرة
تُعد مواجهة أتلتيكو مدريد الأخيرة في دوري أبطال أوروبا فرصة ثمينة لتحليل النسق التكتيكي للفريق الإسباني الذي يُصنّف من بين الفرق الأكثر تنظيمًا وصرامة دفاعيًا في القارة. وفي ظل إدارة الأرجنتيني دييغو سيميوني، لطالما تميّز الأتلتيكو بفلسفة لعب فريدة تدمج بين الصلابة والانضباط التكتيكي، مع توظيف ذكي لإمكانيات لاعبيه.
في هذا التحليل، نأخذك في جولة فنية معمقة لا تعتمد على السرد الإخباري المعتاد، بل تستعرض جوهر المواجهة من خلال الأبعاد التكتيكية، البدنية، الذهنية، ومردود اللاعبين وفقًا للمراحل المختلفة في المباراة.
خلفية اللقاء
قبل انطلاق اللقاء، كان أتلتيكو مدريد في وضع تنافسي متوازن على الصعيد المحلي والأوروبي. استعاد الفريق عددًا من لاعبيه المهمين، أبرزهم أنطوان غريزمان وماركوس يورينتي، وعاد للتوازن بعد سلسلة نتائج متذبذبة في الليغا.
المواجهة جاءت أمام خصم يتمتع بقدرة هجومية عالية، يعتمد على الاستحواذ والضغط العالي، ما جعل كثيرين يتوقعون معركة تكتيكية شديدة العمق.
خطة اللعب والتشكيلة الأساسية
لعب أتلتيكو بخطة 3-5-2 القابلة للتحول إلى 5-3-2 في الحالة الدفاعية، وهي الخطة المُفضّلة لسيميوني، حيث يمنح العمق الدفاعي مساحة للاعبي الوسط في الانتقال الهجومي دون ترك فراغات خلفية.
التشكيلة:
حارس المرمى: يان أوبلاك
الدفاع: سافيتش – خيمينيز – هيرموسو
الوسط: مولينا – كوكي – دي بول – ليمار – رينيلدو
الهجوم: غريزمان – موراتا
هذه التوليفة مزجت بين الخبرة والسرعة، وهدفت إلى تقييد تحركات الخصم في عمق الملعب، مع دعم التقدم عبر الأطراف.
انطلاقة المباراة: 20 دقيقة أولى من الصمود والتماسك
كما جرت العادة، بدأ أتلتيكو مدريد اللقاء بحذر شديد. تمركز اللاعبون في خطوط متقاربة داخل الثلث الأوسط، وركّز الفريق على امتصاص اندفاع الخصم ومنعه من خلق التفوّق العددي.
كوكي، كقائد للمنظومة، تولّى مسؤولية تنظيم التمرير القصير ومنع الكرات العمودية السريعة. أما خيمينيز وسافيتش، فكانا يتناوبان على الرقابة الضيّقة للمهاجمين، مع تغطية المساحة خلف الأظهرة.
الدقيقة 23: التحول الأول – هدف السبق
على عكس سير اللعب، ومن كرة مرتدة سريعة انطلقت من الجهة اليمنى عبر مولينا، وصلت الكرة إلى غريزمان الذي مرّرها بتمريرة عرضية دقيقة إلى موراتا، ليسجل الأخير هدف التقدّم.
الهدف لم يكن عشوائيًا، بل ناتج عن تصميم تكتيكي معتمد على التحولات السريعة، وهو أحد نقاط القوة التقليدية في فريق سيميوني.
منتصف الشوط الأول: صراع وسط الملعب واحتواء الضغط
بعد الهدف، تحوّل تركيز أتلتيكو إلى تقليص المساحات داخل العمق الدفاعي. تمركز دي بول وكوكي وليمار على شكل مثلث متقارب أمام قلبي الدفاع، ما جعل بناء اللعب على الخصم أكثر صعوبة.
تمكّن أتلتيكو من إجبار الخصم على اللعب عبر الأطراف، ورفع كفاءة اعتراض الكرات الثانية، ما أسهم في تعطيل إيقاع المباراة.
الشوط الثاني: مرونة تكتيكية وتغيير نهج اللعب
في بداية الشوط الثاني، بدا واضحًا أن سيميوني أعاد ترتيب المهام. غريزمان تراجع إلى دور "اللاعب رقم 10"، ليلعب بين الخطوط ويوفّر حلقة وصل بين خطي الوسط والهجوم.
رينيلدو، الظهير الأيسر، حصل على حرية أكبر في الانطلاق، مما منح الفريق خيارًا إضافيًا في البناء الهجومي. في الدقيقة 58، كاد الفريق أن يُضيف الهدف الثاني بعد تسديدة قوية من دي بول، لكن الحارس أنقذها ببراعة.
الدقيقة 67: هدف التعادل – قراءة تكتيكية
من كرة ثابتة نُفذت على حافة منطقة الجزاء، تلقى الخصم ركلة حرة ترجمها بنجاح إلى هدف التعادل. ورغم أن الدفاع كان مُنظّمًا، فإن سوء التقدير في القفز وسرعة التنفيذ أربكت أوبلاك الذي لم يتمكن من الوصول للكرة في الوقت المناسب.
بعد الهدف، ظهرت تعليمات سيميوني واضحة؛ التراجع مجددًا والبحث عن استقرار النتيجة، مع امتصاص الحماس المفاجئ للمنافس.
التبديلات وأثرها على سير اللقاء
أجرى أتلتيكو مدريد ثلاثة تبديلات أساسية بين الدقيقتين 70 و80:
كوريا بدلًا من موراتا: لزيادة السرعة والتحرك خلف المدافعين.
ساؤول نيغويز بدلًا من ليمار: لإضفاء توازن دفاعي في الوسط.
ليورنتي بدلًا من دي بول: لضخ حيوية بدنية في الدقائق الأخيرة.
هذه التغييرات بيّنت فلسفة سيميوني في المحافظة على النتيجة أولاً، مع السعي لضرب الخصم بهجمة مرتدة غير متوقعة.
إحصائيات المباراة
المؤشر | أتلتيكو مدريد | الخصم |
---|---|---|
الاستحواذ | 42% | 58% |
التمريرات الناجحة | 384 | 532 |
التسديدات على المرمى | 5 | 6 |
الأخطاء المرتكبة | 12 | 9 |
الكرات الهوائية الناجحة | 17 | 11 |
الركنيات | 4 | 7 |
البيانات تُبرز أن أتلتيكو لم يكن الطرف الأكثر سيطرة على الكرة، لكنه تفوّق في الانضباط الدفاعي وتنفيذ الخطة بتركيز شديد.
أبرز اللاعبين في المواجهة
أنطوان غريزمان: قدّم مباراة كبيرة على المستوى الفردي، صنع هدفًا، وساهم بتمريراته الدقيقة في عدة فرص.
خيمينيز: صخرة دفاعية حقيقية، نجح في إيقاف عدة اختراقات بالتمركز الجيد.
كوكي: لاعب الجوكر الذي تحرك بين المراكز الثلاثة في الوسط، وسجّل معدل تمريرات ناجحة تخطى 90٪.
تحليل لحظات المفصل في المباراة
هدف أتلتيكو: نُفذ بهدوء وانضباط عبر هجمة مرتدة مدروسة.
البطاقة الصفراء على خيمينيز: جاءت في توقيت كاد يؤثر على ثقة الدفاع.
تبديل ساؤول: أوقف اندفاع الخصم وقلّص الضغط على الظهير الأيسر.
الدقائق الأخيرة: أتلتيكو ركّز على "اللعب الذكي" عبر استهلاك الوقت، وتنظيم التمركز، وتحويل اللعب إلى منتصف الملعب.
سيميوني: استمرارية في فلسفة البناء المعكوس
ما يُميّز دييغو سيميوني عن كثير من المدربين هو أنه لا يبني فريقه من الأمام إلى الخلف، بل العكس تمامًا. يبدأ من فرض بنية دفاعية صارمة، ثم يطوّر الحلول الهجومية ضمن هذا القالب. وهذا ما ظهر جليًا في المباراة، حيث حافظ الفريق على تماسكه رغم الاستحواذ الأقل، وسجّل من فرصة مرتدة منظمة.
نقاط القوة التي برزت في المباراة
الانضباط في التمركز
التحولات الدفاعية إلى هجومية خلال 3 تمريرات فقط
استغلال الكرات الثابتة في خلق خطورة
إدارة الوقت في الدقائق الأخيرة بشكل احترافي
التحديات التي واجهها الفريق
نقص الكثافة العددية بعد الطرد أو التعب التكتيكي في بعض الفترات.
تقلّص الحلول في الثلث الأخير حين ارتفعت كثافة وسط الخصم.
تراجع الأداء البدني في الدقيقة 75 فما فوق، وهو أمر يُحتم إعادة التفكير في التبديلات الدفاعية.
الخاتمة
أتلتيكو مدريد